الحج وقفات وذكريات (1)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
مقدمة:
- توالي مواسم الخيرات من خصائص هذه الأمة، فمن رمضان إلى أشهر الحج وأيامه: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) (البقرة:197).
- أفئدة المسلمين فيها تحن إلى بيت الله: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ) (البقرة:125).
- رحلة الهجرة للأهل، والوطن، والمال، والشهوات، قاصدين بيت الله ملبين دعوته: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج:27)، فقاموا: لبيك اللهم لبيك...
- تحملوا المشاق والصعاب يرجون رحمة الله -تعالى-، قال الله -تعالى- في الحديث القدسي: (انظُرُوا إلَى عبادي يُبَاهِي بهم الملائكةَ شُعْثا غُبْرا أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمُ) (رواه البزار والطبراني وابن حبان، وحسنه الألباني).
- ومنهم من عظمت رغبته وهمته وهان عنده المال شوقـًا إلى الغفران؛ فتكرر منه الإتيان طلبًا لرضا الرحمن: "حج الحسين بن علي -رضي الله عنه- خمسًا وعشرين مرة، وحج أبو عثمان النهدي ستين مرة... ".
قال -صلى الله عليه وسلم-: (تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) (رواه الترمذي والنسائي، وصححه الألباني).
- وغيرهم لا يملكون الاستطاعة فكانت نواياهم هي البضاعة فأخذوا الأجر، وربما تيسر لهم السعي من حيث لا يدرون، قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ) (رواه مسلم).
- قصة الأخ الذي رزق حجًا بالنيابة من حيث لا يدري(1).
1- موقع الحج من الدين:
- الحج فريضة الله على عباده، وركن الإسلام الخامس:
قال الله -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) (آل عمران:97)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ) (متفق عليه).
- الحج من أفضل الأعمال: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سُئِلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ). قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ). قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (حَجٌّ مَبْرُورٌ) (متفق عليه).
- الحج ولادة جديدة للإنسان: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) (متفق عليه).
- الحج المبرور ثوابه الجنة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ) (متفق عليه).
- الحج جهاد العاجز والمرأة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ) (رواه النسائي، وصححه الألباني).
2- لماذا كان البيت الحرام أعظم البيوت؟؟
1- أول بيت وضع لعبادة الله:
- أعظم بقاع الأرض المساجد: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَحَبُّ الْبِلاَدِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلاَدِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا) (رواه مسلم)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (أَحَبَّ الْبِقَاعِ إِلَى اللهِ الْمَسَاجِدُ، وَأَبْغَضُ الْبِقَاعِ إِلَى اللهِ الأَسْوَاقُ) (رواه أحمد والبزار، وحسنه الألباني).
المسجد الأول الأفضل: قال الله -تعالى-: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران:96)، وقال -صلى الله عليه وسلم- لما سئل: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ). قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الأَقْصَى). قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ سَنَةً) (متفق عليه).
2- بناء الملائكة والأنبياء:
- روى البيهقي في دلائل النبوة عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: "بعث الله جبريل إلى آدم فأمره ببناء البيت فبناه آدم، ثم أمره بالطواف به، وقيل له: أنت أول الناس، وهذا أول بيت وضع للناس"(2).
- بناء إبراهيم وإسماعيل: قال الله -تعالى-: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة:127).
3- اختار الله مكانه:
- كل المساجد كانت باختيار من الخلق إلا هو؛ قال الله -تعالى-: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا) (الحج:26).
- وادٍ لا يصلح للحياة يصبح أعظم بقعة على ظهر الأرض: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (إبراهيم:37)(3).
وقفة:
اختبر الله عباده من الأولين والآخرين بهذه الرحلة إلى هذا المكان الوعر، الذي هو أقل بقاع الأرض أسبابًا للحياة، وسبحان الله! يعود منه المخلصون وهم أشد شوقـًا وتعلقـًا: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ) (البقرة:125).
4- كعبة أهل الأرض:
- عن قتادة قال: ذكر لنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال يومًا لأصحابه: "هل تدرون ما البيت المعمور)؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه مسجد في السماء تحته الكعبة لو خر لخر عليها" رواه ابن جرير، وقال الألباني: إسناده مرسل صحيح.
- أهله يتشبهون بالملائكة: سئل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "ما البيت المعمور؟ قال: بيت في السماء يقال له: الضراح، وهو بحيال الكعبة من فوقها، حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفـًا من الملائكة، ولا يعودون إليه".
5- فيه آيات بينات:
- قال الله -تعالى-: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ . فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران:96-97)، "الحجر الأسود - الركن اليماني - مقام إبراهيم - زمزم - الحجر - الملتزم".
6- كل شيء فيه آمن:
- قال الله -تعالى-: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا)، وقال: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ . الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (قريش:3-4).
- وقال الله -تعالى-: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) (العنكبوت:67).
- جعل له ولما حوله أحكامًا تعظم شأنه، قال -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمُعَرِّفٍ) (متفق عليه).
7- العبادة فيه لا مثيل لها:
- مضاعفة أجر العبادة فيه: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَصَلاَةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني)(4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) استثارة الشوق إلى الحج، فالنفس الطيبة إذا شوقت، اشتاقت، وعملت.
- عمير بن الحمام يوم بدر لما شوق قال: بخ بخ.
(2) وقيل: إن الملائكة هم الذين بنوه.
(3) حركة الحياة فيه صارت لا تتوقف:
أنت مسبوق على الدوام: "الطواف - الصلاة - الدخول - الجمعة - القراءة... ".
قال الله -تعالى-: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (الحج:26)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
(4) الصلاة الواحدة تعدل مدة 55 عامًا صلاة.