الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فيسعى أعداء الإسلام بكل ما يستطيعون إلى طمس الهوية الإسلامية بطمس معالمها كالعقيدة السلفية والتاريخ الإسلامي واللغة العربية، وإحلال هويات باطلة بدلاً منها، سواء كانت يهودية أو نصرانية، أو قومية أو وطنية، أو غربية أو فرعونية.
وقد أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالمجاهرة بالحق والإعراض عن المشركين في قوله -تعالى-: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر:94)، وزكى الله المؤمنين بإعراضهم عن اللغو والزور في قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) (الفرقان:72).
قال ابن كثير -رحمه الله-:
"وهذه أيضًا من صفات عباد الرحمن، أنهم: (لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ)؛ قيل: هو الشرك وعبادة الأصنام. وقيل: الكذب والفسق واللغو والباطل. وقال محمد بن الحنفية: هو اللهو والغناء. وقال أبو العالية وطاوس ومحمد بن سيرين والضحاك والربيع بن أنس وغيرهم: هي أعياد المشركين. وقال عمرو بن قيس: هي مجالس السوء والخنا. وقال مالك عن الزهري: شرب الخمر؛ لا يحضرونه ولا يرغبون فيه، كما جاء في الحديث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر). وقيل: المراد بقوله -تعالى-: (لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) أي: شهادة الزور، وهي الكذب متعمدًا على غيره، كما ثبت في الصحيحين عن أبي بَكْرَة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ألا أنبئكم بأكْبر الكبائر) ثلاثًا، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: (الشرك بالله، وعقوق الوالدين)، وكان متكئًا فجلس، فقال: (ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور). فما زال يكررها، حتى قلنا: ليته سكت.
والأظهر من السياق أن المراد: لا يشهدون الزور، أي: لا يحضرونه؛ ولهذا قال: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) أي: لا يحضرون الزور، وإذا اتفق مرورهم به مرُّوا، ولم يتدنسوا منه بشيء؛ ولهذا قال: (مَرُّوا كِرَامًا). (تفسير ابن كثير: 6/130).
وكلام ابن كثير -رحمه الله- واضح في أن الآية تعم كل مجالس الشرك والفسق والبدعة، إذ لا تنافي بين هذه الأقوال.
وهذه التزكية من الله -تعالى- كافية في تذكير المسلم بتميز هويته عن هوية غيره من أهل الملل الباطلة، ولكن وجد من أبناء المسلمين من نسي تفضيل الله -تعالى- له؛ فاستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، فأخذ بعض ما عند اليهود والنصارى مما يعتبرونه من شعائرهم ومقدساتهم، وقد صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ قال: ([b]تَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لاَتَّبَعْتُمُوهُمْ). قالوا: يا رسول الله؛ اليهود والنصارى؟ قال: (فَمَنْ؟) (متفق عليه).
يقول المستشرق شاتليه: "وإذا أردتم أن تغزوا الإسلام وتكسروا شوكته، وتقضوا على هذه العقيدة التي قضتْ على كل العقائد السابقة واللاحقة لها، والتي كانتْ السبب الأول والرئيس لعزة المسلمين وشموخهم وسيادتهم وغزوهم للعالم؛ فعليكم أن توجهوا جهود هدمكم إلى نفوس الشباب المسلم والأمة الإسلامية، بإماتة روح الاعتزاز بماضيهم وتاريخهم وكتابهم القرآن، وتحويلهم عن كل ذلك بواسطة نشر ثقافتكم وتاريخكم، ونشر روح الإباحية، وتوفير عوامل الهدم المعنوي، وحتى لو لم نجد إلا المغفلين منهم والسذج والبسطاء لكفانا ذلك؛ لأن الشجرة يجب أن يتسبب في قطعها أحد أغصانها".
هكذا ينظرون إلينا وهذا ما يريدون منا!!
ومن أعظم ما يستخدمونه لطمس الهوية الإسلامية ما يحاولون نشره بين المسلمين من أعياد مبتدعة، تحت مسمى القومية والوطنية والفرعونية، مثل عيد "شم النسيم" الذي ينتظره المسلمون على أهبة الاستعداد والإعداد؛ ليحتفلوا به كاحتفالهم بعيد الأضحى أو أشد.
أصل عيد شم النسيم:
عيد شم النسيم من أعياد الفراعنة، ثم نقله عنهم بنو إسرائيل، ثم انتقل إلى الأقباط بعد ذلك، وصار في العصر الحاضر عيدًا شعبيًا يحتفل به كثير من أهل مصر من نصارى ومسلمين وغيرهم، ويقع في الخامس والعشرين من شهر برمهات، وكانوا يعتقدون -كما ورد في كتابهم المقدس عندهم- أن ذلك اليوم هو أول الزمان، أو بدء خلق العالم.
وأطلق الفراعنة على ذلك العيد اسم "عيد شموش" أي بعث الحياة، وحُرِّف الاسم على مر الزمن، وخاصة في العصر القبطي إلى اسم "شم" وأضيفت إليه كلمة النسيم نسبة إلى نسمة الربيع التي تعلن وصوله.
يرجع بدء احتفال الفراعنة بذلك العيد رسمياً إلى عام "2700 ق.م" أي في أواخر الأسرة الفرعونية الثالثة، ولو أن بعض المؤرخين يؤكد أنه كان معروفاً ضمن أعياد هيليوبوليس ومدينة "أون"، وكانوا يحتفلون به في عصر ما قبل الأسرات.
انتقال شم النسيم من الفراعنة إلى اليهود ثم إلى النصارى:
نقل بنو إسرائيل عيد شم النسيم عن الفراعنة لما خرجوا من مصر، وقد اتفق يوم خروجهم مع موعد احتفال الفراعنة بعيدهم.
واحتفل بنو إسرائيل بالعيد بعد خروجهم ونجاتهم، وأطلقوا عليه اسم عيد الفصح، والفصح كلمة عبرية معناها الخروج، كما اعتبروا ذلك اليوم رأسًا لسنتهم الدينية العبرية؛ تيمناً بنجاتهم وبدء حياتهم الجديدة.
وهكذا انتقل هذا العيد من الفراعنة إلى اليهود، ثم انتقل عيد الفصح من اليهود إلى النصارى وجعلوه موافقاً لما يزعمونه من قيامة المسيح، ولما دخلت النصرانية مصر أصبح عيدهم يلازم عيد المصريين القدماء -الفراعنة-، ويقع دائمًا في اليوم التالي لعيد الفصح أو عيد القيامة.
علاقة شم النسيم بالعقيدة النصرانية:
تبدأ شعائر النصارى بالصوم الكبير ويستمر أربعين يومًا تبدأ بأربعاء يسمونه أربعاء الرماد؛ حيث يضعون الرماد على جباه الحاضرين ويرددون: "من التراب نبدأ وإليه نعود"، ثم بعد تمام الأربعين خمسون يوماً تنتهي بعيد الخمسين أو العنصرة، ثم أسبوع الآلام، وهـو آخر أسبوع في فترة الصوم، ويشير إلى الأحداث التي قادت إلى صلب المسيح -عليه السلام- وقيامته -كما يزعمون-.
يبدأ أسبوع الآلام بأحد السعف؛ وهو يوم الأحد الذي يسبق أحد الفصح، وهو إحياء ذكرى دخول المسيح بيت المقدس ظافرًا، ويسمى أيضًا "أحد الشعانين" و"أحد السعانين" و"أحد الأغصان"، يتلوه خميس العهد أو الصعود، ويشير إلى العشاء الأخير للمسيح واعتقاله وسجنه، ثم الجمعة الحزينة؛ وهي السابقة لعيد الفصح، وتشير إلى موت المسيح على الصليب -حسب زعمهم-، ثم سبت النور؛ وهو يوم الانتظار وترقب قيام المسيح أحد عيد الفصح، والذي يتبعه مباشرة الاحتفال بشم النسيم يوم الاثنين بعده.
وكما ترى فعيد شم النسيم لا يكون إلا يوم الاثنين بسبب ارتباطه الوثيق بالشعائر النصرانية الوثنية، التي يزعمون فيها صلب المسيح الذي يعتقدون أنه ابن الله ثم قيامته يوم الأحد الذي يسبق شم النسيم.
قال -تعالى-: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً . لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً . تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً . أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً . وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً . إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً . لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً . وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً) (مريم:88-95).[/b]